اسمهان عمور
اسمهان عمور، الإذاعية التي خبرت الدهاليز المظلمة للعمل الثقافي
لم يكن يدور في خلد الإذاعية اسمهان عمور وهي تلج مدرجات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة لتلقي الآداب والمعارف بداية الثمانينات من القرن الماضي، أن الصدفة وحدها كفيلة بقلب مجرى تخطيطاتها المستقبلية رأسا على عقب، وعوض شق مسارها في مجال التربية والتعليم شاءت الأقدار أن تنقش اسمهان اسمها في المشهد الإذاعي
لم تكن تعتقد يوما اسمهان عمور أن مشاركتها في الحلقة الأولى من برنامج «ماذا يقرؤون؟» بإذاعة وجدة الجهوية سيشكل منطلقها للتألق، كإحدى أبرز الإعلاميات في المجال الثقافي. فما إن استنفد وقت البرنامج حتى بادرها عمر لشهب رئيس محطة وجدة قائلا بانبهار كبير بصوتها الجميل «ألست مدركة أن صوتك إذاعي؟» مبديا حاجة إذاعة وجدة لأصوات نسوية. لكن اكتشاف إدارة دار البريهي لهذا الصوت الإذاعي لم يكن ليسمح بذلك بعد أن أبدت تشبثها الكبير بالتحاق اسمهان بالعمل باستوديوهات الإذاعة الوطنية، ومن هناك كانت بدايتها الإعلامية، وبالضبط في فبراير من سنة 1987 من خلال أول برنامج ثقافي «متابعات أدبية» رفقة زميلتها نعيمة بوعلاق.
التألق
لكن طموح اسمهان لم يتوقف، إذ سرعان ما ستخطو أولى خطواتها في درب التألق، سواء من خلال برنامجها الناجح «حقيبة الأسبوع» الذي عمر لمدة 13 سنة أو باقي البرامج «مفتاح الشهرة»، «أزواج النجوم»، «أزواج متألقون».. ساهمت هذه البرامج بشكل كبير في تقريب اسمهان من الجمهور المغربي.
تألق اسمهان كإذاعية لم يقف عند هذه الحدود، إذ سرعان ما قادها لتولي إدارة إذاعة الدار البيضاء سنة 2004، فكان على اسمهان تجرع مرارة واقع الإعلام الجهوي. فإذاعة الدار البيضاء لم تكن سوى إذاعة شبح.. سرت في أوصال اسمهان أحاسيس هي مزيج من الخيبة والانتصار. اسمهان كانت تؤمن بأنه لابد من إبداع رؤية إعلامية جهوية جديدة من -خلال ترأسها محطة الدار البيضاء أو محطة وجدة (2005 - 2006) - لمواجهة تحديات تحرير القطاع السمعي البصري واستحواذ الإذاعات الخاصة على أحواض استماع مهمة، فإنها كانت تدرك أيضا أن تحقيق قفزة إعلامية لن يخلو من عواصف عاتية واجهتها بثقة ورباطة جأش لم تكن لترضي العابثين الذين شرعوا في نصب الكمائن لإيقاف التغيير، فما كان لحلم اسمهان أن يتحقق كأنها كانت تسبح ضد التيار في هذا الأفق الإعلامي القاتم أمام تراكمات سنوات من سوء التسيير في هذا الزمن الجريح. لتعود بشغف كبير للعمل وراء الميكروفون ولقاء محبيها من المستمعين. لكن عودتها هذه المرة إلى العمل الإذاعي لم تقدها لإنتاج برامج ثقافية أو فنية كما تعودها المستمع بل لمعانقة هموم السياسة برغبة من مدير الأخبار.. ظلت اسمهان مترددة لكن دعم وتشجيع زملائها مكنها من الظفر برضى المستمعين الى جانب المجال الثقافي الذي خبرت دهاليزه المظلمة من خلال برنامج «لأجل الثقافة» وهو عبارة عن مجلة إذاعية مسموعة باقتراح من لطيفة أخرباش مديرة الإذاعة الوطنية خلال الموسم الإذاعي 2007/2008 أحبت اسمهان بلادها بكل تفاصيلها الكبيرة والصغيرة وكان همها الدائم هو إعطاء بلدها المغرب القيمة والمكانة التي يستحقها عبر إجراء لقاءات مع مبدعين وكتاب مرموقين بالوطن العربي من قبيل أدونيس، عبد الوهاب البياتي، محمود درويش، جابر عصفور..
أو عبر إنتاج برامج تساهم في إبراز مؤهلات المغرب السياحية والثقافية والفنية من قبيل برنامجها المتألق «هؤلاء اختارو المغرب»، والذي استضاف شخصيات أجنبية وازنة اختارت العيش في أحضان المغرب، من بينها الأديب اللبناني مصطفى الرقا الذي يقطن بمدينة مكناس.بالموازاة مع ذلك أعدت اسمهان برنامج «حبر وقلم» المفتوح في وجه كبار الكتاب والمثقفين، وكذا الشبان المبدعين، والذي حصلت من خلاله على الجائزة الفضية بعد الحوار القيم الذي أجرته مع الأديب السعودي الكبير غازي القصيبي، رغم إيمانها العميق بكون مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون ليس سوى سوق تجاري ولاعلاقة له البتة بالإعلام، فهو لا يحتكم للإبداع الحقيقي وفق رأي اسمهان، ولعل هذا ما يفسر رفضها المشاركة في هذا المهرجان، إذ بعثت مشاركتها من طرف مصلحة الإنتاج دون استشارتها في الموضوع.
الاعتراف
«على متن باخرة وهمية» يعتبر أيضا من البرامج الثقافية ذات البعد الفلسفي التي طبعت مسيرة اسمهان الإعلامية، حيث استضافت من خلاله العديد من الكتاب والمثقفين المرموقين، من أمثال الشاعر العراقي الكبير المرحوم عبد الوهاب البياتي ومحمد بنيس والفنان العربي باطما، ممن لهم القدرة على الخيال والجنون والإبداع.
لمعان نجم اسمهان عمور لم يقتصر على الإذاعة الوطنية، إذ سرعان ما خاضت تجربة ناجحة رفقة التلفزيون الألماني «دويتشه فيله» من خلال برنامج الصالون الثقافي موسم 2008-2009.
ورغم انشغالاتها الإعلامية والثقافية، استطاعت اسمهان عمور الموازنة بين شؤون أسرتها الصغيرة المكونة من زوجها وزميلها الحسين العمراني الصحافي بالإذاعة الوطنية وابنيها أسامة (19 سنة) لاعب الفتح الرباطي وعبير (17 سنة) الطالبة الجامعية.
يقول عنها زوجها الحسين العمراني صاحب برنامج «كَولي نكَول ليك» بالإذاعة الوطنية «اسمهان من الأصوات الجميلة والقوية بالعالم العربي، لها حضور قوي جدا أمام الميكروفون وأمام الشاشة في إدارة الحوارات.. شغوفة جدا بقراءة الروايات والدواوين الشعرية والدراسات النقدية.. زرت رفقتها أكثر من بلد عربي وعاينت مدى احترام المثقفين وأسماء وازنة في العالم العربي لاسمهان. ومايؤلمني هو ضعف الاعتناء برموزنا في المغرب، وإن كنت أدرك جيدا أن المغرب يتوفر على أكثر من 10 إعلاميات نظيراسمهان، في الوقت الذي نعاين فيه إغراق التلفزيون المغربي بالرداءة، وهو ما يعطي صورة ضعيفة عن المغرب. فالمسؤولون ضد النجومية.. إنهم يكسرون مشاريع النجوم ويغرقون الإعلام العمومي بمشاريع وجوه وأصوات لن تكون نجوما في المستقبل».
www.alwatan-press.info/def.asp?codelangue=23...