- رفقة مع الشاعر عبد الناصر لقاح
الخصائص الفنية والقيم الأسلوبية للجملة الشعرية في شعره
الجملة الشعرية تركيب يتكون من مجموعة من الأنواع، تتنوع بحسب المسند والمسند إليه...وما يطرأ عليهما من تقديم وتأخير أو تعريف وتنكير..وتمتاز بانزياحها، وإيقاعها وموسيقاها، ودلالتها...
1- الانزياح اللغوي:
إن الانزياح اللغوي في شعر عبد الناصر لقاح سمة فنية ، ملازمة لشعره..وتتجاوز اعتيادية المعجم...لأن لغة لقاح الشعرية تخرق كل الأنساق اللغوية المألوفة... وهذا ما نلحظه في قصيدته (شرود)، والتي يقول فيها:
على جسد النار ضجت جروحي
وفي شهوة السهو كانت فتوحي
لأشجار عينيك عشب انشداه
وللماء في فيك ماء الصبوح
على موعد لك في القلب تزهو
شرودا على وهجها فيك روحي
بروحي بوحي وبوحي بروحي
إذا نفذ البوح تبقى بروحي
أسميك ديني وعوسج خوفي
وجاه الغموض غفا في الوضوح
سأشهد أن اللواقح تأتي
من النفس لا من صوى أو صروح
جنوني انبهار سما في بهاء
وجرحي انتشاء علا في جنوحي
في هذه القصيدة العمودية نجد بعض الانزياحات اللغوية.. كما في قوله (جسد النار)(ضجت جروحي)،( شهوة السهو)،(أشجار عينيك)،(عشب انشداه)،(للماء فيك ماء الصبوح)،(أسميك ديني)،( عوسج خوفي)،(جاه الغموض غفا)،(جنوني انبهار)،(برحي انتشاء)...
هذه الانزياحات هي التي تخرج اللغة من الاعتيادية إلى الشعرية.. وبالتالي الغرض منها الرفع من حدة الدهشة... والرفع من شدة الانفعال، والتوتر.. والرفع كذلك من جمالية اللغة وفنيتها.. وهذا كله يزيد المتلقي تأثرا، وانفعالا... وبالتالي تصبح العلاقة ما بين القصيدة ولغتها والمتلقي ، لغة تأثير وتفاعل ، وتأثر...
فعندما قال عبد الناصر لقاح(جسد النار)، خلق بذلك خرقا في اللغة العادية، وأحدث هوة ما بين اللغة العادية اليومية واللغة الشعرية...إذ أصبح للنار جسد.. وهذا يدل على شدة الهيام والصبابة.. وحالة الأرق والسهاد الذي يعيشها الشاعر عندما يكون في لحظة عشق، وتذكر للحبيب.. وبالتالي يتداعى جسدهن وترتفع حرارته.. فيتحول بدنه نارا.. كأنها تتلبسه...
وفي (أشجار عينيك)ن يجعل الشاعر من الأشفار أشجارا.. وتتحول الأجفان غابة من رموش.. هكذا يصف بالمحسوس الملموس أشياء معنوية.. لا تدرك إلا بالعقل.. وهذا كله يدلل به على جمال المحبوب...
وعندما نقف إلى (أسميك ديني)، نجد مدى الخرق الذي مارسه عبد الناصر لقاح على اللغة.. حين أخبر محبوبته بأنه يسميها دينه..إذ انه من فرط حبه لها يستحضرها دائما في باله.. وينصبها أمامه ، يجعلها ديدنه.. مستحضرا إياها في نومه.. واستيقاظه.. في حلمه... ويقظته.. في سهوه وصحوه..دائما على لسانه، وفي نفسه.. ولذا أصبحت جزء من حياته.. وبهذا الخرق يبين لنا مدى تعلقه بها.. ومدى المحبة التي يكنها لها...
وفي ( عوسج خوفي)، و (عشب انشداه)، و( برحي انتشاء)، يربط المحسوس بالمجرد.. ويكون علاقة بين حالات ملموسة وذهنية.. فالعشب شيء مادي.. لكن الانتشاء.. شيء نفسي كذلك العوسج والخوف.. ومن هنا نجد الشاعر عبد الناصر لقاح يعتمد في خرقه اللغوي على التوازيات، والتقابلات... بالارتكاز على تقنيتي التشخيص والتجسيد...
فهو يجسد النار ، ويشخص الخوف.. والانشداه.. وهذا كله ليبين عمق المحبة التي يكنها لمحبوبه... ومدى تعلقه بالحبيب، وشوقه إليها... وهذا كله يجعل المتلقي يتفاعل معه شعريا.. وينسجم مع أحاسيسه...وبالتالي فإن :"لغة النص لغة متفاعلة ، ليست خامدة ولا تكف عن الحركة: لا تكف عن استيعاب دلالات ومضامين جديدة، وإفراز أبنية غير محدودة، تتطلب وصفا ديناميا يواكب تلك القدرة ولا يحدها"[1]...
2- رمزية الكلمة/ اللغة في شعره:
+ الكلمة المفتاح، رمزيتها ودورها في شعره: الكلمة في شعر عبد الناصر لقاح، تمتاز بخرقها للمألوف ، والعادي.. حيث يؤلف منها صوره الشعرية.. ويعبر بها عن مشاعره وأحاسيسه... ويصبغ عليها من الفنية والجمالية ما يلفت الانتباه...
والكلمة المفتاح التي نقصدها هنا، هي الكلمة التي تدور عليها القصيدة، ويبني عليها موضوعها.. وتؤسس لشبكة من العلاقات التي: تدخل في نسيج القصيدة. أي:"إنها تخلق النص، وبمعنى أدق:إن النص يتخلق في رحمها، ويتشكل في إطارها، وهكذا فإن الكلمة المفتاح تولد القصيدة، وتجسد الرؤيا الجوهرية للواقع"[2]...
ففي قصيدة عبد الناصر لقاح( أمي الأخرى)، والتي يقول فيها:
نصيرة هذا المساء اشتعال
جنوني الجميل
تنافسها الكاهنات
تنافقها الأغنيات
وتبكي
وحين تلف انتقالي إليها
بخيط رقيق أغير وجهي
واعشق فيها الرحيل النبيل
نصيرة حبي...
صليب الأمومة مادام في جسدي
سحرها
والنهار الجليل
لها أن تعلمني سحر ماء غريب
يتيم ولي أن أعلمها أن تحب
هواجس ناري
وشوق اختياري
انهياري
على قدميها
نصيرة كل التلاحين تبكي لديها
نصيرة كلي وبعضي
وبعضي وكلي
لماذا تحاربها الكلمات
وكانت إذا تمتطي ألمي
تشعل الحمق الحمق في عدمي
كي أصير أميرا
أميرا...
إن الشاعر عبد الناصر لقاح، يكشف لنا كل دواخله، وما ينتابه من حنين وإلف من خلال الكلمة المفتاح(نصيرة).. والتي تجعل المتلقي يتساءل : من هي نصيرة؟... والتي وضعها بوصف آخر، جعله عنوان القصيدة (أمي الأخرى)؟....من هي هذه الأم الثانية للشاعر.. غير أمه البيولوجية، الحقيقية؟...
من خلال هذه الكلمة المفتاح(نصيرة)، يدخلنا عبرها إلى أحاسيسه، حيث نكتشف أن نصيرة حبه الخالد، والأبدي.. هي شوقه، واختياره.. نصيرة كله... وبعضه.. إنها تشعل حمقه وجنونه...فعشقه وحبه لنصيرة يجعله يعشق الدنيا.. ولا يخفي شغفه وعشقه.. بل يخبرها بكل ما يحس.. وبالتالي ندرك أن نصيرة ، والتي يلقبها بأمه.. وبالشجرة المثمرة هي زوجته.. وحرمه المصون...
وهذا يبين مدى وفائه، وإخلاصه.. وتعالقه بأم أولاده.. وبالتالي الكلمة المفتاح(نصيرة)، يتدفق منها العشق والحب، والعلاقة الحميمية ، والطيبة..ومن خلالها تتولد الكلمات المكونة للقصيدة... وكلها ترشح إلفا.. وشعورا.. وحسية...