اكدت مصادر رسمية فلسطينية امس ان القيادة التونسية الجديدة وافقت على طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي زار العاصمة التونسية خلال الايام القليلة الماضية، تسليم ارشيف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الى السلطة في رام الله.
هذه الخطوة التونسية تعكس حجم التغيير الذي وقع في تونس بعد رحيل نظام الرئيس زين العابدين بن علي، وتولي نظام جديد ارست دعائمه الثورة التونسية المباركة. فالنظام السابق رفض اكثر من مرة طلبات للرئيس الفلسطيني لاستعادة هذا الارشيف تحت ذرائع متعددة.
لا نعرف التفسيرات والحجج التي قدمها الرئيس عباس للقيادة التونسية الجديدة بحيث وافقت على طلبه هذا، مثلما لا نعرف الذرائع التي استند اليها الرئيس السابق في رفض تسليم الارشيف، فالأمور مازالت غير واضحة بالنسبة الى هذه المسألة حتى هذه اللحظة.
ارشيف الرئيس عرفات هو ملك للشعب الفلسطيني، وللسلطة التي كان يتزعمها، لانه يتضمن جميع مراسلاته مع زعماء دول العالم، والكثير من الاسرار التي تتعلق بالثورة الفلسطينية وعملياتها العسكرية وطبيعة علاقاتها مع الكثير من الشخصيات العربية والدولية، ومصادر تمويلها، علاوة على كونه، اي الارشيف، يؤرخ لمرحلة تمتد منذ مغادرة الثورة الفلسطينية لبنان عام 1982 وحتى عام 1994، اي موعد عودة الرئيس الفلسطيني الراحل وكادر منظمة التحرير الى الارض المحتلة، بعد توقيع اتفاقات اوسلو، واقامة السلطة الوطنية الفلسطينية.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، ويجب ان يجيب عليه الرئيس عباس شخصياً هو حول الضمانات التي حصل عليها من الاسرائيليين الذين يحتلون الضفة الغربية وتحول دون استيلائهم على هذا الارشيف والاسرار التي يحتوي عليها.
بمعنى آخر ماذا لو اعادت السلطات الاسرائيلية احتلال رام الله، واقتحمت المقاطعة مقر رئاسة عباس، ونقلت جميع هذا الارشيف الى القدس المحتلة، وصورت جميع الوثائق التي يتضمنها مثلما فعلت عندما احتلت مدينة بيروت، واستولت على ارشيف مركز الدراسات الفلسطينية؟
بقاء الارشيف في تونس، ولو لفترة مؤقتة، ريثما تقام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، ربما يكون افضل في الوقت الراهن، اذا كانت احتمالات استيلاء اسرائيل عليه خطراً قائماً. فتونس الثورة ملتزمة التزاماً كاملاً بقضية الشعب الفلسطيني العادلة، ومن المؤكد انها ستحافظ على هذا الارشيف كأمانة لديها، وتوفر له الحماية الذي يستحق.
وربما يفيد التذكير بان وثائق دائرة المفاوضات الفلسطينية في رام الله جرى تسريبها جميعا الى قناة 'الجزيرة' الفضائية التي اسست لها موقعا خاصا باسم 'الشفافية' يستطيع اي انسان الاطلاع على جميع ما ورد فيها من محاضر للقاءات المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين على اعلى المستويات. ولذلك فما الذي يمنع، في ظل ضعف السلطة الفلسطينية ورضوخها مكرهة للاحتلال، ان يتكرر الشيء نفسه مع وثائق ارشيف الرئيس عرفات؟
اننا لا نعارض عودة هذا الارشيف الى السلطة، وانما نتساءل عما اذا كان هذا الارشيف محصنا من عمليات الاختراق والسرقة والتسريب، خاصة ان الاسرائيليين لن يألوا جهدا للاطلاع على ما فيه من اسرار، سواء من خلال اقتحام مقر السلطة، او من خلال عملائهم، فمن يستطيع ان يصل الى الرئيس عرفات ويدس له السم في طعامه او شرابه قد يستطيع الوصول الى ارشيفه بطريقة او باخرى.
نتمنى على الرئيس محمود عباس ان يجيب على تساؤلاتنا هذه وان يبدد مخاوفنا في هذا الصدد، سواء من قبله مباشرة، او عبر المتحدثين باسمه